نادي الحوار للتثقيف السياسي.كلية الحقوق و العلوم السياسية.ورقلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى فرعي عن منتدى طلبة ورقلة 30dzكلية الحقوق و العلوم السياسية.جامعة قاصدي مرباح.ورقلة
نادي الحوار للتثقيف السياسي معتمد من قسم العلوم السياسية .جامعة قاصدي مرباح .ورقلة
مرحبا بكم في الموقع الإلكتروني لنادي الحوار و التثقيف السياسي. التابع لقسم العلوم السياسية.جامعة قاصدي مرباح .ورقلة(نادي طلابي معتمد رسميا) منتدى طلبة ورقلة
موضوع: الإصلاحات السياسية في الجزائر الأحد فبراير 05, 2012 2:46 pm
الإصلاحات السياسية في الجزائر بواسطة: من اعداد- د محمد هناد - المدرسة العليا للعلوم السياسية الجزائر بتاريخ : الأحد 22-01-2012 06:00 مساء
سأحاول تسليط بعض الضوء على ثلاث مسائل رئيسية في شكل رؤوس أقلام : العوامل التي أدت إلى سقوط أنظمة الحكم في عدد من البلدان العربية إلى حد الآن. التيارات الإسلامية في سياق الحراك الذي تشهده البلدان العربية منذ أزيد من عام. الإصلاحات السياسية المعتمدة في الجزائر. سأركز على هذه المسألة أكثر من المسألتين الأوليين.
I. العوامل التي أدت إلى سقوط أنظمة الحكم في عدد من البلدان العربية إلى حد الآن
لابد أن أشير، في البداية، إلى أن الحراك الذي تشهده البلدان العربية لم تعرفه البلدان الإسلامية بعد إذا ما استثنينا تلك المظاهرات التي شهدتها إيران سنة من قبل (2009)، بمناسبة الانتخابات الرئاسية وبعدها بمدة. الرأي عندي أن البلدان العربية التي تشهد حراكا قد تكون بصدد القيام بدور تاريخي في حالة ما إذا عم حراكها هذا سائر البلدان العربية وانتقل، بشكل ما، إلى البلدان الإسلامية أيضا.
كون "الثورات" العربية لم تقم على برامج أو أيديولوجيات وقيادات لا ينفي قيامها على قيم عامة ذات الصلة بإرادة القضاء على الاستبداد والفساد، وبالحرية، الكرامة الإنسانية، روح المواطنة. كيفية تجسيد هذه القيم من المفروض أن يعود أمرها إلى النخبة الوطنية التي تصوغها في شكل مشاريع مجتمع وبرامج سياسية وتجعل منها (القيم) ثقافة سياسية فعلية.
لكن لابد من لفت الانتباه إلى أنه لا يمكن الحديث عن "ثورة" ما بمجرد سقوط نظام الحكم بل على أساس النتائج التي تكون قد أفضى إليها الحراك على المدى البعيد. كما لا يصح الحديث عن هذه الثورة إلا إذا استطاعت إنتاج قاموس يخصها، قاموس يتضمن تسميات ومفاهيم جديدة، كما يضفي دلالات مستجدة لمعانٍ متداولة.
ومهما يكن من أمر، لابد أن ندرك أن الحراك الذي تشهده البلدان العربية سيكون خطوة إلى الأمام من جميع النواحي على الرغم من العثرات المتوقعة. المهم أن جدار الخوف قد سقط ولم يعد مجال الآن لأي حاكم محتكر التذرع بأية مشروعية كانت، كما لم يعد بطش نظامه يجدي نفعا. ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن الثورة إلا إذا أدت ثورة المجتمعات العربية على حكامها إلى ثورة على نفسها من حيث القيم التي قادت حياتها إلى اليوم، ذلك أن إسقاط الوثن أسهل بكثير من إسقاط الوثنية. ولعل ذلك ما يفسر تواصل الحراك إلى ما بعد الانتخابات، اتقاء من أن يفضي المسار إلى مجرد انتقال من دكتاتورية فظة إلى دكتاتورية ناعمة.
بعد هذا المدخل، أعود إلى العوامل الداخلية والعوامل الخارجية التي أدت إلى سقوط أنظمة الحكم في العالم العربي.
1. العوامل الداخلية
طول مدة نظام الحكم، لاسيما رئيس الجمهورية. من المعلوم أن طول هذه المدة من شأنه أن ينتج الملل ومنه عدم الاحترام. كما أنه احتكار لا مبرر له. بلوغ ظاهرة الفساد حدا لم يعد من الممكن تحمله أكثر بالنظر إلى تردي الأوضاع المعيشية وانتشار حالة اللاأمن وانسداد الأفق وفقدان الأمل والثقة بالنفس. تنامي دور عائلة الرئيس في إدارة شؤون البلاد ومسألة توريث الحكم. هذه الحالة تعني تحويل الدولة من شأن عام إلى شأن خاص، كما يصير الحق فيها عبارة عن مجرد منّ. صورة الضعف التي صار الرؤساء يظهرون بها أمام القوى الداخلية والقوى الخارجية. ارتفاع الوعي السياسي لدى الشعوب العربية بفضل تطور وسائل الإعلام والاتصال، إضافة إلى ظاهرة التمدن. لابد من إضافة كون الحراك العربي وجد في بعض القنوات العربية وشبكات التواصل الاجتماعي رافدا مهما له. تراكم الإحباطات بعد إخفاق البلدان العربية في كل مشروع مجتمعي جربته إلى حد الآن.
2. العوامل الخارجية (عد إلى الملحق 1 عند الاقتضاء)
لابد من الإشارة إلى أن التدخل الأجنبي لا يكون له فاعلية إلا إذا كانت الجبهة الداخلية متراصة. ولن تكون متراصة إلا إذا كان نظام الحكم نظاما يمتاز بالمشروعية وحسن الأداء. مثال على ذلك : لماذا تدخل الغرب في أفغانستان والعراق ولم يتدخل في إيران على الرغم من اعتباره لهذا البلد من ألدّ أعدائه في العالم ؟
هذا بصورة عامة، أما دور الغرب في الحراك العربي (ماعدا حالة ليبيا وربما سوريا غدا)، فيمكن أن نذكر أشكاله كالآتي :
ممارسة ضغط الحكومات الغربية على الحكام العرب من أجل إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، على الأقل من باب حفظ ماء الوجه. دعم الهيئات الحكومية وغير الحكومية الغربية للتنظيمات الأهلية الناشطة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد. تكثيف التمثيليات الغربية الاتصالات مع النخب المحلية.
ومع ذلك، هذه العوامل كلها، الداخلية منها والخارجية، ربما ما كانت لتفعل فعلتها لو لم تقع في سياق دولي ما انفك يتعولم.
في ما يخص تطور الأوضاع في تلك البلدان التي أسقط فيها النظام (ماعدا حالات كل من اليمن، ليبيا وسوريا)، يمكن أن نلحظ الآتي :
دخول هذه البلدان مرحلة انتقالية فعلية رغم تلك الصعوبات الجمة التي تجدها اليوم وستجدها غدا في طريقها. استطاعت أن تنظم انتخابات كانت سلمية وكانت محل اعتراف كبير بصحتها. نزاهة الانتخابات قد تؤذن بفتح عهد جديد للممارسة السياسية في هذه البلدان لاسيما وأنه من شأنها خلق إطار مناسب لتجديد النخبة السياسية وقيم الحكم وفق مبدأ المواطنة لا غير. شعارات "الثورة" كانت مدنية بينما كان التصويت إسلاميا.
II. التيارات الإسلامية في سياق الحراك الذي تشهده البلدان العربية منذ أواخر 2010
قد يبدو ما سيأتي نوعا من الدفاع عن التيارات الإسلامية، لكن لابد من التأكيد أن الطريق يظل طويلا وشاقا أمام هذه التيارات قبل التحول إلى تيارات سياسية فعلية، أي قائمة على أساس عقلاني.
ملحوظة أولية : لم تكن التيارات الإسلامية هي صاحبة المبادرة في الحراك الذي انطلق في البلدان العربية منذ أزيد من سنة حيث كانت هذه التيارات واحدة من القوى المشاركة فيه.
يجب ألا يغيب عنا أن الحركات الإسلامية حركات سياسية تستعمل الدين كمورد سياسي. ومن حيث هي حركات سياسية، لها الحق في ممارسة السياسة بطريقتها ضمن القانون، على غرار سائر الحركات الأخرى مثل الحركات الشيوعية أو غيرها التي تنكر قيمة الدين في حياة البشر أو لا تراعيها.
كما أشرت منذ حين، شعارات "الثورة" كانت مدنية بينما كان التصويت إسلاميا.
شرح دلالة "مدينة" في سياق الحراك العربي (تخص العلاقة بالحكم العسكري، من ناحية، والحكم الديني، من ناحية ثانية). فوز الإسلاميين في الانتخابات لعله لا يدل على تشوق الناخبين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بقدر ما هو تشوق إلى أخلقة الحياة العمومية، وهذا هو شعار الإسلاميين. بالنسبة إلى الناس البسطاء، لا يمكن أن يحقق هذه الأخلقة إلا المتدينين ذلك أن الدين هو أسمى الأخلاق باعتباره رسالة إلهية وأن المتدينين هم أتقى الناس. التصويت على الإسلاميين يمكن أن تكون له دلالة مفارقة، أي يمكن أن يكون طريقة غير مباشرة و/أو غير واعية في تعبير المجتمع عن حاجته إلى نظام عقلاني منطلق من الذات أي محلي المنشأ. لعل هذا المجتمع يريد بطريقته تلك أن يولي هذه المهمة التاريخية إلى الإسلاميين أنفسهم باعتبارهم، لأسباب تاريخية وثقافية، ممرا حتميا قبل الانتقال إلى مرحلة أرقى. علينا ألا ننسى أبدا أن حركة التاريخ هي من التعقد ما يجعلها قادرة على استعمال النقيض لتحقيق نقيضه. ثم إن كثيرا من الأفراد والجماعات يعتبرون أنفسهم صناع التاريخ بينما هم مجرد أدوات في يد هذا التاريخ الذي لا ينقطع أبدا عن مفاجأتنا بأمور لم نكن لنتوقعها. حتى وإن فاز الإسلاميون في الانتخابات فإن فوزهم هذا لم يكن بالأغلبية المطلقة، ولعل ذلك يبعث على الغبطة لدى هؤلاء أنفسهم عوض الاستياء لأنه يقيهم الوقوع في فخ الانفراد بمسؤولية الإخفاق في حالة حدوثه لاسيما بالنظر إلى ما هو منتظر القيام به في جميع المجالات المتصلة بحاجيات المجتمع في حياته العادية، بل وحتى في ما يخص مسألة الهوية. تميزت هذه الانتخابات باستعداد التيار الإسلامي إلى الحكم مع الغير، بل (كما هو الحال في تونس) مع تيارات يسارية من المفروض أن تكون علمانية. يبدو أن التيار الإسلامي بصدد إحداث تجديد في صيغة ممارسة الحكم، أي عن طريق الائتلاف الذي يعني الشراكة السياسية. بدأ الإسلاميون منذ فترة (ربما انطلاقا من التجربة الجزائرية التي أراها من الأهمية بمكان في هذا السياق) إلى القيام بمراجعة الذات بحكم التجربة حيث صاروا أكثر اقتناعا أن الصيغ الديمقراطية هي، في نهاية الأمر، السبيل الوحيد الذي يمكنهم من الوجود والوصول إلى الحكم. ومع ذلك، يجب طرح السؤال لتفسير هذا الاتجاه لدى السياسيين الإسلاميين وتقبلهم لآليات النظام الديمقراطي إلى درجة أنهم لم يعودوا ينوهون بمرجعيتهم الإسلامية إلا نادرا بحيث ضمت تسميات أحزابهم مفاهيم العدالة، الحرية، والتنمية. للإجابة عن هذا السؤال، يمكن القول إن التيارات الإسلامية عملت، إلى وقت قريب، بمنطق انتزاع السلطة عن طريق الانقلاب المستند إلى التأييد الجماهيري. أما اليوم، فقد أدركت، بحكم التجربة، أن هذه الطريقة لم تعد تجدي نفعا، بل هي خطيرة عليها وعلى البلاد. إن التأييد الجماهيري ذاته لا يعفيها من الليونة ومحاولة التوافق مع ما عبر عنه الغنوشي بالأقلية المؤثرة. ثم إنه ما من شك أنها أصبحت تدرك أكثر أن إدارة شؤون البلاد، لاسيما في ظروف متأزمة، لا يمكن أن تعول على الشريعة وحدها. إن تدبير الشؤون العامة هي أعقد من أن تختصر في مجرد تطبيق الحدود. ومن ناحية أخرى، لابد من الإشارة إلى أن المعارضين للتيارات الإسلامية صاروا يقرون لخصومهم بحسن التنظيم والانضباط، ويعترفون بنضالاتهم وقدرتهم على الثبات أمام بطش الحكام. هكذا، بدأوا، هم أيضا، يجرون مراجعات في مواقفهم من التيارات الإسلامية باعتبارها واقعا سوسيوسياسيا لا يمكن محوه بمجرد عدم الاعتراف به أو الوقوف في طريقه. ثم إن مطالبة الإسلاميين بتقبل الآخر لابد أن يقابله، في الوقت ذاته، تقبل من طرف هذا الآخر لهم.
III. الإصلاحات السياسية المعتمدة في الجزائر
قبل الخوض في هذه الإصلاحات، لابد من الإشارة إلى الآتي : (1) مهما كان موقفنا سلبيا من هذه الإصلاحات، لا يمكننا إلا أن نقر لها ببعض الأهمية، على الأقل من باب شعور أصحابها بالحاجة إليها، ولو شكليا ؛ (2) مهما كانت هذه الإصلاحات قاصرة فلابد أن تكون خطوة ما إلى الأمام.
للتذكير، لقد جاءت هذه الإصلاحات تجسيدا لمحتوى الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية في شهر أفريل الفارط. لكنني سأتناول هذه الإصلاحات من زاوية الشكل دون الخوض في تفاصيل مشاريع القوانين التي جاءت لصياغتها. وعليه، سأتطرق إلى أربع نقاط رئيسية :
السياق العام الذي وردت فيه هذه الإصلاحات المنهجية المتبعة في هذه الإصلاحات السمات الرئيسية المميزة لهذه الإصلاحات الانتخابات التشريعية المقبلة ذلك أنني أرى أن الرهان السياسي الحالي لا يتمثل في الإصلاحات المذكورة بقدر ما يتمثل في الانتخابات المقبلة.
1. السياق العام الذي جاءت فيه المبادرة بالإصلاحات بالجزائر
لابد من الإشارة إلى أن هذه الإصلاحات لم تأت، فقط، بفعل الحراك الجاري في العالم العربي بل كانت متوقعة منذ مدة طويلة نتيجة حالة الانسداد السياسي السائد في البلاد منذ التسعينيات ولاسيما منذ الانتخابات الرئاسية لسنة 2009. كما لا يخفى أن الجزائر تعاني إحباطا نتيجة فشل المبادرة الديمقراطية التي بدأت في أواخر 1988. هكذا، لم تأت هذه الإصلاحات نتيجة "ثورة". لقد جاءت بفعل مبادرة من نظام الحكم القائم وليس على يد سلطات مؤقتة برزت بعد قلب هذا النظام، كما كان الحال في عدد من البلدان العربية الأخرى.
ومع ذلك، أعتقد أن المشكل، في الجزائر مثلا، لا يكمن في توفر النصوص القانونية بقدر ما يكمن في عدم تطبيق هذه النصوص أو خرقها ؛ الأمر الذي نجم عنه تتفيه لهذه النصوص وعزوف سياسي. ولعل من نتائج هذا التتفيه عزوف آخر لا يقل أهمية، ألا هو تضاؤل الاهتمام لدى الباحثين بهذه النصوص مادامت غير نافذة.
في ما يخص هذه الإصلاحات، أود أن أبدأ بنوع من الاجتهاد. قد يدل استعمال "الإصلاحات"، هكذا بصيغة الجمع، على نفي الطابع الشامل للأزمة، عكس صيغة المفرد التي تدل على هذا الطابع، نافية بذلك حق القائمين الحاليين على شؤون البلاد وقدرتهم على تغيير الأمور كما يراد لها. في الحالة الأولى يتعلق الأمر بتدارك بعض النقائص وإجراء عدد من التحسينات يُفترض أن يقوم بها نظام الحكم القائم ذاته، على غرار أي نظام حكم آخر، بحم العادة. أما في الحالة الثانية، فيتعلق الأمر بتغيير هذا النظام ذاته أولا لأنه يعتبر مصدر الإخفاق، أي يتعلق الأمر بتغيير جذري في الممارسة السياسة وفي النخبة الحاكمة باعتبارها مصدر الأزمة.
في ما يخص حالة الجزائر، ما هو مطلوب هو إصلاح شامل توافقي لا مجرد إصلاحات. معنى ذلك فتح صفحة جديدة في مجال الممارسة السياسية مع ضرورة تجديد النخبة الحاكمة.
في ما يتعلق بوضع الجزائر في سياق ما يسمى بالثورات العربية، لابد أن نتذكر أن الجزائر ثارت على الاستبداد والفساد منذ نحو 24 سنة. ومن سخريات الزمان أن نجد نظام الحكم اليوم يفاخر بهذه "الثورة" وكأنه هو الذي قام بها ولم تقم ضده. غير أن هذه الثورة انقلبت على الجزائر وأدت بها إلى مأساة حقيقية ستظل آثارها حاضرة لعقود. من الناحية الأمنية، الأمور في تحسن، لكن المعضلة السياسية تفاقمت، ومما زاد في تفاقمها بلوغ سوء الأداء الحكومي وظاهرة الفساد حدا لم يعد يطاق ولا أدل على ذلك من انتشار الإضرابات والاعتصامات يوميا وفي مختلف مناطق البلاد. لكن يظل جلها منحصرا في المطالب المتصلة بظروف المعيشة.
2. المنهجية المتبعة في اعتماد هذه الإصلاحات
لا يخفى أن قيمة الغاية تبقى دائما مرهونة بقيمة الوسيلة.
تزامنا مع الحراك التونسي وقعت مظاهرات ضد غلاء المعيشة ولم يكن فيها مطالبة بالرحيل مثل ما كان الحال آنذاك في تونس. على إثر هذه المظاهرات، تدخلت الحكومة لإرجاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية إلى مستواها السابق. لكن ظل التوتر سائدا في البلاد في انتظار خطاب رئيس الجمهورية الذي لم يأت إلا بعد ثلاثة شهور طويلة! في هذا الخطاب المقروء، وعد رئيس الجمهورية بإصلاحات سياسية كثيرة، من دون الخوض في التفاصيل. بعد ذلك، تم تشكيل لجنة وطنية لإجراء مشاورات مع قوى وشخصيات سياسية واجتماعية.
· لم تتم المبادرة بالإصلاحات عن طريق نقاش وطني واسع أو على أساس تفاوضي مع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، بل تم الاكتفاء بمجرد مشاورات عين لها نظام الحكم لجنة من صلبه. كما انحصر دور هذه اللجنة في الاستماع إلى المدعوين من دون أي التزام حيالهم ماعدا إيصال أرائهم ومواقفهم إلى رئيس الجمهورية الذي يعود إليه أمر البت فيها.
· توجت هذه المشاورات بقوانين عضوية تخص مجالات أساسية في حياة الدول حيث خصت الأحزاب، الانتخابات، الإعلام، الجمعيات، ترقية حضور المرأة في مؤسسات الدولة. ثم عرضت هذه القوانين على برلمان (بغرفتيه حتى وإن لم يعد أحد مقتنعا بجدواه، بما في ذلك أعضاؤه أنفسهم). ومنذ يومين، سمعنا أن رئيس الجمهورية أمضى هذه القوانين بعد عرضها على المجلس الدستوري الذي هو من دون رئيس إلى حد الآن بعد انتهاء عهدة رئيسه السابق. يبدو أن الطريقة التي نظر فيها المجلس الدستور في القوانين المذكورة كانت مجرد شكليات لأننا لم نسمع لا بعرضها عليه ولا بمناقشته إياها.
ملحوظة أخيرة : هناك سؤال لابد من طرحه بالنسبة إلى مصير هذه الإصلاحات لأننا لا ندري كيف سيكون تعيين الوزير الأول بعد الانتخابات المقبلة مادام الدستور الساري المفعول حاليا لا يفرض على رئيس الجمهورية تعيينه من الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات.
3. السمات الرئيسة المميزة لهذه الإصلاحات
السمة الأولى : طابع المنحة إذ لم تأت الإصلاحات المقررة ثمرة نقاش واسع ماعدا تلك "المشاورات" التي سبق ذكرها. كما أنه لم يكن هناك نقاش حر على مستوى وسائل الإعلام الثقيلة إذ تظل التلفزة الوطنية الوحيدة أبعد ما ترقى إلى تلك المهنية المتعارف عليها دوليا. السمة الثانية : خلوها من عنصر الثقة المفقودة منذ زمن طويل. لاسيما بالنظر إلى تجربة التزوير في الانتخابات .
هناك مبدأ بسيط جدا في التعامل : عندما تريدني أن أثق بك في أمر ما ينبغي أن يكون لدي ما يبرر هذه الثقة بحكم التجربة. السلطات الجزائرية تؤكد أن الانتخابات
المقبلة ستكون أحسن الانتخابات التي عرفتها البلاد إلى اليوم، معنى ذلك أن سابقتها كانت مزورة. لكن ذلك يبقى مجرد وعد مثل الوعود السابقة التي لم يتم الوفاء بها وللمواطن كل الحق في أن يشك هذه المرة في صدق الوعد. لذلك، نقول كان على السلطات العمومية أن تعترف، صراحة، بعدم صحة الانتخابات السابقة أولا ثم تعد بصحة الانتخابات المقبلة.
كذلك، كانت السلطات العمومية في حاجة إلى إرسال إشارات تدعم عنصر الثقة هذا كأن تقوم بـ: (1) تغيير الطاقم الحكومي بطاقم آخر ليس له رهانات انتخابية (في الانتخابات التشريعية القادمة) ؛ (2) حل البرلمان بسبب فقدانه للمصداقية والفاعلية (3) ربما أيضا حل ما يسمى بـ "التحالف الرئاسي" باعتباره كيانا مصطنعا يهيمن على الحياة السياسية الوطنية من دون وجه حق ويقوم على منطق التحصيص (على الأقل في نظر الرأي العام). ومما زاد في عدم الثقة قيام نواب المجلس الوطني الشعبي بحذف المادة 93 في مشروع قانون الانتخابات التي تنص على وجوب استقالة الوزراء الراغبين في الترشح للانتخابات المقبلة ثلاثة أشهر من قبل. أضف إلى ذلك، الجدل الحاد الذي بدأ منذ أيام بخصوص إضافة ما لا يقل عن أربعة ملايين ناخب جديد إلى القائمة.
السمة الثالثة : الطابع الأمني إذ أوكلت مهمة الإصلاحات إلى وزارة الداخلية. إن الهاجس الأمني في هذه الإصلاحات هو الذي جعل وزير الداخلية هو المشرف عليها وكأن نظام الحكم الحالي خائف على مصيره. السمة الرابعة : قلب الأمور إذ تم إقرار القوانين العضوية المذكورة قبل صدور تعديل الدستور الذي هو مصدر هذه القوانين. المعروف عن القوانين العضوية (مصدرها رئيس الجمهورية وتتعلق بأهم المجالات من بينها الأحزاب، الإعلام، الانتخابات، القضاء) أنها تأتي لتكمل الدستور في مجالات محددة. غير أن هذه القوانين العضوية جاءت بحكم دستور ننتظر تعديله في المستقبل القريب. وعليه، فما جدوى بناء صرح على قوانين من هذا النوع ما دامت مؤقتة إلى حين صدور نص دستوري جديد ؟
4. الانتخابات التشريعية المقبلة ورهاناتها
أ. رهاناتها.
بالنسبة إلى الجزائر، ينبغي أن ندرك أن الانتخابات التشريعية المقبلة تبقى الأمور فيها غير مرهونة بنظام الحكم وحده بل كذلك بمدى شعور المسؤولية من طرف الأحزاب والقوى السياسية وبمدى وعيها بضرورة الاتفاق على أرضية مشتركة تفرض على نظام الحكم القائم إجراء انتخابات ترقى إلى مستوى المعايير الدولية المتعارف عليها. هذا الوعي لا يمكن أن يحصل إلا إذا أدركت هذه القوى أن الحديث عن المنافسة السياسية غير ممكن قبل توفير الشروط الضامنة لهذه المنافسة ذاتها من حيث حريتها ونزاهتها. ولعل مطالبة الأحزاب جماعيا بتبديل الحكومة الحالية بحكومة حيادية من أجل ضمان نزاهة الانتخابات ستكون أحد الجوانب المهمة في الاتفاق على الأرضية المشتركة المذكورة.
لذلك، يصح القول إن هناك رهانا جوهريا واحدا في هذه الانتخابات : من المفروض ألا نطالب نظام الحكم القائم بشيء آخر غير توفير الشروط الضرورية لإجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة فعلا هذه المرة. فإن جرت الانتخابات كذلك، فستفتح عهدا جديدا لقيم الحكم والممارسة السياسية ولنخب سياسية جديدة في البلاد.
بـ . حظ التيارات الإسلامية في هذه الانتخابات.
لاشك أن فوز التيارات الإسلامية في كل من تونس، المغرب ومصر سيكون من شأنه تشجيع التيارات الإسلامية في الجزائر على خوض غمار المنافسة الانتخابية بكل قوة. ولاشك أيضا أن هذا الزخم هو الذي كان وراء انسحاب التيار الإسلامي المشارك في ما يسمى بـ "التحالف الرئاسي" واختياره العمل الفردي، معلنا تبرئة ذمته من نظام الحكم القائم (اللهم إلا إذا كان الأمر مجرد حيلة). هكذا، يظل زعيم "حمس" يصرح أن "سنة 2012 هي سنة تنافس وليس تحالف".
ومع ذلك، وعلى الرغم من توقع حضور قوي لهذه التيارات، ليس هناك ما يؤكد فوز الإسلاميين، في الجزائر، بالأغلبية في الانتخابات المقبلة، وذلك لجملة من الأسباب، لعل من بينها :
الجزائر مرت بـ "مأساة وطنية". فحتى ولم لم يكن الإسلاميون المسؤولين الوحيدين عن هذه المأساة إلا أن مسؤوليتهم فيها أساسية. تفتت التيارات الإسلامية. تورط بعض الأحزاب الإسلامية في الحكم بحجة ضرورة المشاركة و"الحرص" على إنقاذ الدولة المهددة بالانهيار وكذا البرهنة على الرغبة في الحلول السلمية التفاوضية. ما يتردد في أوساط الرأي العام حول انخراط الكثير من الإسلاميين في التجارة ؛ الأمر الذي يطرح علامات استفهام عدة. من المتوقع أن يلعب حزب جبهة التحرير الوطني - لاسيما بزعامة أمينه العام الحالي - الورقة الإسلامية ؛ الأمر الذي سينال من الوعاء الانتخابي للتيارات الإسلامية.
لكن في حالة فوز الإسلاميين بأغلبية معتبرة، فسيكون لهذا الفوز دلالة خاصة في الجزائر :
أولا، بالنسبة إلى الإسلاميين، سيعتبرون فوزهم مجرد استعادة لحق مغتصَب وإنصافا من التاريخ.
ثانيا، بصورة عامة، سيعتبر هذا الفوز :
نوعا من الرجوع إلى نقطة البداية، رغم الويلات التي قاستها الجزائر طيلة العقدين الأخيرين بعد توقيف المسار الانتخابي. علامة على رفض أغلبية الجزائريين تحميل الإسلاميين مسؤولية ما يُعرف بـ "المأساة الوطنية"!
ختاما، لا يسع المواطن جزائري إلا أن يتمنى أن تجري الانتخابات المقبلة في ظل الحرية والنزاهة فتكون مفخرة لنا بيننا وأمام العالم. فإن جرت كذلك، فسيكون ذلك بمثابة أكبر هدية تُهدى إلى الشعب الجزائري بمناسبة احتفاله بالذكرى الخمسين لاستقلال بلاده.
ومع ذلك، لابد من الإشارة، هنا، إلى أن تعيين زعيم الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات على رأس الحكومة قد يكون قطعا لرأس هذا الحزب في ظل ممارسة سياسية سيئة النية. في هذه الحالة، قد ينسي التعيين زعيم الحزب مصلحة حزبه. ولعل ذلك ما انتبه إليه زعيم حركة النهضة في تونس ولا نعلم ما إذا كان زعيم حزب العدالة والتنمية في المغرب قد انتبه إليه هو أيضا.